الخميس، 8 ديسمبر 2011

قراءتي في نص " سجود " لكاتبه الشاعر منتظر السوّادي




 
قراءتي على نص " سجود " لكاتبه أ / منتظر السوادي
سجود

" نغم داهم سمعا .. مكبرا سجد الشيطان ، من طين أنت ! .. تبا! .. لم أسجد حين برأ الله الإنسان "
 
( منتظر السوادي )


أفكار عن السجود يجب التعرف عليها قبل قراءة النص



السجود يحمل في طياتها معان كثيرة ( الطاعة – الإذلال والخضوع – ضرب من التحية والعبادة – وضع الرأس في الأرض – النظر إلى الأرض – العودة إلى حضن الأرض – إكبارا لمن يسجد له أو من أمره بالسجود )

النص بسيط جدا في مبناه .. فيتألف من أربع جمل والتي تنقسم إلى قسمين أساسيين :



1- القسم الأول : وهو الأحداث : ( نغم داهم سمعا .. مكبرا سجد الشيطان )
2- القسم الثاني : وهو الخواطر والحوار مع الذات: ( من طين أنت! .. تبا .. لم أسجد حين برأ الله الإنسان ) وعلى هذه الخاطرة يمكن الخروج بمشاعر مختلفة لمن قام بالسجود

" نغم داهم سمعا ":

نغم أو صوت عذب أشبه بالنغم يداهم سمعا ولم يذكر الكاتب في هذه الجملة من الذي تمت مداهمة سمعه بل ترك مفتوحا لإحتمالات عدة
لكن المهم في هذه الجملة هو كلمة ( داهم ) وهي تعطي عدة إيحاءات وهي ( المفاجأة لمن سمع – التربص من جانب من صدر عنه ذاك النغم ) فالذي قام بهذا النغم يتربص بمن يريد إسماعه يترقبه يريد إغواءه وإفتانه ويدور حوله كي يوقعه في شبك إسماعه رغما عنه .. ولكنه محترف متمرس ويدرك أن الإسماع لابد له من فن وخطة لا تفضح من أرسل النغم هذا!

وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة وهي الفرق بين الإفتان والإفتتان ؟؟

** الإفتان = الغواية : يقوم به صاحبه عن عمد ..يتجمل .. يتصنع ويدبر المكائد ويكون متربصا بمن يريد إغواءه ويهيئ أسلحته كمن سيخوض معركة إما أن ينتصر وإلا فلا!
** الإفتتان لا يقوم به صاحبه وإنما صاحبه فاتن في ذاته ولم يقصد الإيقاع بأحد لكن رغما عنه يفتتن به الآخرون
إذن .. فذاك الصوت ( النغم ) داهم سمعا وفاجأه واخترق سمعه بقوة وأثر فيه

" مكبرا سجد الشيطان ":

وهذه هي أقوى جملة في النص .. وفي تأويل محتمل يتم الربطبين السمع والشيطان .. فيكون السمع الماهم هو سمع الشيطان نفسه .. فماذا فعل ؟؟
(مكبّرا ) : وهذا غريب .. كيف يكبر الشيطان ؟! .. وعلام يكبر ؟! .. كبر عند مداهمة ذاك النغم لسمعه

وقد وفق الكاتب في تقديم الحال ( مكبرا ) على سائر الجملة لأن ذلك يوحي بالأثر النفسي المباشر إثر مداهمة النغم لسمعه .. فكبر إكبارا وانبهارا وعجزا أمام ذاك النغم!!

( سجد الشيطان ) : وهذا صادم للقارئ جدا ومن المفارقات التي تتحدى معرفة القارئ السالفة بالشيطان أنه لا يسجد وأنه متكبر قال تعالى عنه " أبى واستكبر " فهذه النفسية المغرورة الخبيثة هنا في هذا النص تخضع وتسلم وتسجد وتلامس جبهتها التراب

وهنا مفارقة أخرى ... إحدى وسائل إغواء الشيطان لبني آدم هي صوت وسوسته الخافت .. فهو خبير بعلم الأصوات عالم بها لا يمكن خداعه بسهولة لأنها إحدى أسلحته ضد بني آدم .. قال تعالى " واستفزز من استطعت منهم بصوتك ..." فكونه ينخدع أما ذلك الصوت فهذا دليل إنبهاره وعجزه التام أمامه


المقطع الثاني : الخواطر:

" من طين أنتِ !"

وهنا تظهر نبرة الصدمة !... أن من سجد له الشيطان على غير توقعه كان من طين .. وليس أي انسان وإنما امرأة ! لأن التاء حركت هنا بالكسر ..فيعلم هنا لأول مرة أن من سجد له الشيطان امرأة صاحبة ذاك النغم المداهم لأذنيه
وهنا يتجلى أمر هام وهو كيد النساء ! .. كيف هو مغالب وعظيم يهزم حتى الشيطان والذي من ناحية أخرى يعد المرأة إحدى وسائل إغوائه للرجال ويعضد ذلك قوله تعالى عن كيد الشيطان :" إن كيد الشيطان كان ضعيفا " في حين قال تعالى عن كيد النساء :" إن كيدهن عظيم " .. فلا يستغرب أن يخر الشيطان ساجدا أمام المرأة – إحدى وسائله التي انقلبت عليه – ويستسلم لها !!

" تبا !!" .. وتظهر هنا نبرة الندم والحسرة الشديدة والسبب في الجملة التالية :
" لم أسجد حين برأ الله الإنسان !!"

وهنا الندم ليس لأنه لم يسجد للإنسان فاستحق بذلك اللعنة الأبدية وإنما لتلك المفارقة الغريبة أنه سجد للمرأة المخلوقة من طين أيضا ولكن كان ذلك طاعة واستسلاما لإفتتانه بها بينما لم يسجد للإنسان المخلوق من طين أيضا ولوكان فعل لما طرد من الجنة ونال اللعنة الأبدية

وهنا الفرق بين المقطعين :

المقطع الأو ل يشتمل على : ( إغواء – فسجود – فصدمة )
المقطع الثاني يشتمل على نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أمر من رب العالمين – عصيان أمر السجود – ندم )
المقطع الأول سيؤدي إلى دخوله النار أيضا ولن ينجيه منها سجوده لتلك المرأة المخلوقة من طين لأنه سجد ليس طاعة لربه وإنما سجد طاعة لهواه واستسلاما لإغوائها إياه !

المقطع الثاني لو كان أتى بالسجود لكان أطاع رب العالمين وظل في الجنة ولكنه لم يفعل فاستحق بذلك الطرد من الجنة واللعنة إلى يوم الدين ثم دخول النار فكان بذلك الندم
وأرى أن الكاتب كان موفقا في استخدام كلمة ( طين ) في مقطع ( من طين أنتِ!) لأنه يوحي بالدونية والاستجابة لشهوة الجسد .. أما المقطع الأخير استخدم لفظة ( انسان ) لأن آدم ليس طينا فقط بل روح وجسد .. جسد من طين .. وروح تشده إلى العلو والسماء
ويبقى النص مفتوحا على سؤال هام جدا ... من تلك المرأة التي سجد لها الشيطان ؟؟ ... وهل كانت تريد باصدار النغم هذا أن تفضحه وتظهر ضعفه .. فراحت تدبر له المكائد ؟ .. أم تريد اثبات انتصارها عليه ؟؟ ..
أرى أن هذا النص على قصره وسهولة كلماته إلا أن فيه قوة وإيحاءات كثيرة وكثير من المفارقات والصدمات لما كان يعرفه القارئ من قبل .. وتجسيد لدواخل الشيطان النفسية يجسدها الكاتب باحتراف بكلمات بسيطة

هذا النص من أفضل ما قرأت للكاتب .. وأعجبني جدا فيه الحبك والتكثيف وهذا في رأيي إبداع

سلمت يمينك أ/ منتظر ..
دمت لنا مبدعا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق