مرايا
المشاهد تتوالى ,والضوء يعبث بالصورة.
مطر متصاعد نحو السماء,أرواح تتقافز من أجسادها على أرصفة الشوراع المقهورة بالموت,دماء تسيل على مد النظر,أفق كالشفق بل أكثر احمراراً,أطفال يبتسمون بحمق نادر ,وغيظ يجثم على قلوب رجال سود,يقبضون على عصي سود كوجوههم ولون الحبر في مذكراتهم الأمنية,ثلاثة أرباع السماء متعجرف بحمق الغبار وشراسة الريح,بينما العشب لا يزال ينحني للعاصفة,والخزي يركب سيارات فخمة وأرجل تمتد من النوافذ تصفع الوجوه .
والمرايا لا تتسع.
أنى لها بكل هذا الزجاج؟
وأنا المرتبك بطفلة تلازم عيني,تحتلني بجدارة,تتصهين وتستوطن الشرايين ومجاري البصر,تهفو إلى لمسة تحنو على شعرها المحمَرِّ غصباً,رأسها مفتوح إلى الشمس,وبعض الدمى لا زالت متعلقة بكفها وعلى رفوف الذاكرة,تهوى البراءة وتنتقم من جميع الوجوه,من كل الأسرَّة المتخاذلة,والزهور المتمردة على الصباح وهدوء الحدائق,أحلامها تتناثر في الشوارع وبعض الأمنيات لا زالت تجري في أزقة المدينة وبعض خبايا البيت الدمشقي القديم جريها المحموم,خلف قطة الدار,وفراشة مشاغبة.
ياسمينها يسيل على الأرض وفراش أحمر أحمر.
,تلك لا تعترف بالزجاج ولا يضيرها الضوء الممزوج بلعنة الشياطين والابتسامات الملعونة.
مراّة ثائرة,تنتفض لتقول ,"ثم إنك أبكيتني"
وكأن البكاء من صنع الصحف وافواه المحابر.
أنا لا أرعد فلم أنت تمطرين؟
أنا لا يقتلني البرد ولا الشتاء فلمَ تندبي ما تبقي من وجهي على سطوح الزجاج؟
تعكسين جميع الصور من خلفي,لأبدو واجهة مفعمة بالخراب,والصورة نارية بجدارة,مدائن تنتحب,وشوارع تستحضر جميع الأوراح والشهيد تحت المطر.
مطر متصاعد نحو السماء,أرواح تتقافز من أجسادها على أرصفة الشوراع المقهورة بالموت,دماء تسيل على مد النظر,أفق كالشفق بل أكثر احمراراً,أطفال يبتسمون بحمق نادر ,وغيظ يجثم على قلوب رجال سود,يقبضون على عصي سود كوجوههم ولون الحبر في مذكراتهم الأمنية,ثلاثة أرباع السماء متعجرف بحمق الغبار وشراسة الريح,بينما العشب لا يزال ينحني للعاصفة,والخزي يركب سيارات فخمة وأرجل تمتد من النوافذ تصفع الوجوه .
والمرايا لا تتسع.
أنى لها بكل هذا الزجاج؟
وأنا المرتبك بطفلة تلازم عيني,تحتلني بجدارة,تتصهين وتستوطن الشرايين ومجاري البصر,تهفو إلى لمسة تحنو على شعرها المحمَرِّ غصباً,رأسها مفتوح إلى الشمس,وبعض الدمى لا زالت متعلقة بكفها وعلى رفوف الذاكرة,تهوى البراءة وتنتقم من جميع الوجوه,من كل الأسرَّة المتخاذلة,والزهور المتمردة على الصباح وهدوء الحدائق,أحلامها تتناثر في الشوارع وبعض الأمنيات لا زالت تجري في أزقة المدينة وبعض خبايا البيت الدمشقي القديم جريها المحموم,خلف قطة الدار,وفراشة مشاغبة.
ياسمينها يسيل على الأرض وفراش أحمر أحمر.
,تلك لا تعترف بالزجاج ولا يضيرها الضوء الممزوج بلعنة الشياطين والابتسامات الملعونة.
مراّة ثائرة,تنتفض لتقول ,"ثم إنك أبكيتني"
وكأن البكاء من صنع الصحف وافواه المحابر.
أنا لا أرعد فلم أنت تمطرين؟
أنا لا يقتلني البرد ولا الشتاء فلمَ تندبي ما تبقي من وجهي على سطوح الزجاج؟
تعكسين جميع الصور من خلفي,لأبدو واجهة مفعمة بالخراب,والصورة نارية بجدارة,مدائن تنتحب,وشوارع تستحضر جميع الأوراح والشهيد تحت المطر.
( سلام الكردي )
القراءة :
إن الحديث عن المرآة يطول .. فما بالك سيدي بالمرايا ؟
لقد تعلمت في كتبي أن المرآة تطرح علاقة هامة جدا بين الصورة والحقيقة .. هل المرآة تعكس الحقيقة دائما ؟ .. أم أن الضوء حولها يتدخل ويعبث بالصورة ويغير حقيقتها وألوانها .. فيصير الأبيض أسود والزهري أحمر مدمم
وهل إذا نظر أحدنا في المرآة يرى نفسه كما هي ؟ .. هل ينعكس ما في سريرته على وجهه فتظهره المرآة أم أن الضوء يأبى إلا أن يجمل الوجوه الحالكة ويقذف عليها من نوره الزائف فتتحول الشياطين إلى ملائكة !
المرآة كالكاميرا ..تلك الآلة المزعجة ... لا تظهر إلا الجزء المراد إظهاره فقط سواء كان مبهجا أو مقبضا ثم تخفي بقية الصورة خارج الإطار وكأنه ليس جزء منها
لكن إن كان الحديث هنا عن المرايا .. فإنه يطول !
منذ مدة شاهدت فيلما رأيت فيه حجرة تسمى (بحجرة المرايا) كل من يدخل إليها يرى نفسه في كل مكان بشكل مزعج للغاية .. وإن حدث أن قابلت مرآة مرآة أخرى ووقفت بينهما ترى نفسك مكررا إلى ما لا نهاية ..وتضطرب بشدة أي منها الحقيقي وأي منها الزائف . وإن تغير مصدر الضوء في حجرة المرايا تلك ستفاجأ بالصور الكثيرة المختلفة إلى حد مخيف .. فيصير الواحد يتلمس نفسه ليتأكد أنه حقيقة ولم يذب بين الصور ويصبح هو نفسه صورة ... وسيلة تعذيبية مدهشة!!
بداية قسمت نصك أستاذي إلى ثلاث مرايا .. عفوا .. مقاطع !
المقطع الأول : عبث الضوء بالصورة في سرعة لا يلحظه أحد :
" الضوء يعبث بالصورة "
وهذا هو الموضوع .. وكل ما هو آت يخدم هذه الفكرة ،فقد بينت المسألة إذن ومهدت إلى ما هو قادم كانك تقول للقارئ مهلا هناك حقائق تم تغييرها وهذا الضوء قد خان ميثاقه وتدخل وعبث بالصورة .. فصار عندنا الآن نسختان (الصورة والحقيقة)
"مطر متصاعد نحو السماء,أرواح تتقافز من أجسادها ....,دماء تسيل على مد النظر,أفق كالشفق بل أكثر احمراراً,أطفال يبتسمون بحمق نادر ,وغيظ يجثم على قلوب رجال سود,يقبضون على عصي سود ....,ثلاثة أرباع السماء متعجرف .... العشب لا يزال ينحني للعاصفة,والخزي يركب سيارات فخمة وأرجلتمتد من النوافذتصفع الوجوه .
والمرايا لا تتسع...أنى لها بكل هذا الزجاج؟"
نعم أنّى لها ؟... وهو زجاج غير عادي فزجاج المرايا اكثر إيلاما وشظاياه للحم أكثر تقطيعا من أي نوع آخر من الزجاج
إن المشاهد التي ذكرتها على تلاحقها السريع توضح كيف كان يلعب الضوء الدور المشين في خفاء ويعبث بالأشياء فغير طبيعتها وقلب حقيقتها وصارت تستغربها النفس وكانها من عالم غير العالم حتى عجزت المرايا نفسها عن عكس كل هذا العبث الغريب ..واحتارت أيها تعكس .. أيها الأهم .. فهي لا تتسع! .. الزجاج كثير والضوء لا يفتر عن العبث
المقطع الثاني : إطار بلا زجاج يجذب إليه النظر على براءته :
"وأنا المرتبك بطفلة تلازم عيني,تحتلني بجدارة,تتصهين وتستوطن الشرايين ومجاري البصر,.....,تهوى البراءة وتنتقم من جميع الوجوه,من كل الأسرَّة المتخاذلة,والزهور المتمردة على الصباح وهدوء الحدائق,أحلامها تتناثر في الشوارع وبعض الأمنيات لا زالت تجري .....,وفراشة مشاغبة ياسمينها يسيل على الأرض.....تلك لا تعترف بالزجاج ولا يضيرها الضوء الممزوج بلعنة الشياطين والابتسامات الملعونة."
مشهد البراءة ( تحتل – تتصهين – تستوطن ) كلمات أعجبتني في هذا الموضع بجدارة !! .. هذه على براءتها قوية تتصدر المشهد وتحتله وتجذب الأعين إليها وتجعل ما حولها في إرباك بين المشهد المنعكس في المرآة سالفا وبين ما تقدمه هي هنا في هذا المشهد البسيط الذي لم تغيره الأضواء ...لايهمها تغير الالوان ولا عبث الضوء ولا الابتسامات الكاذبة ..
هنا تتحطم المرآة ولا يجد الضوء دورا يلعبه فتتحول الأعين نحوها لتنظر إلى الحقيقة في براءتها.
المقطع الثالث والأخير: الجريمة في أكمل ما تكون :
مراّة ثائرة,تنتفض لتقول ,"ثم إنك أبكيتني"
وكأن البكاء من صنع الصحف وافواه المحابر.
أنا لا أرعد فلم أنت تمطرين؟
أنا لا يقتلني البرد ولا الشتاء فلمَ تندبي ما تبقي من وجهي على سطوح الزجاج؟
تعكسين جميع الصور من خلفي,لأبدو واجهة مفعمة بالخراب,والصورة نارية بجدارة,مدائن تنتحب,وشوارع تستحضر جميع الأوراح والشهيد تحت المطر.
إحدى المرايا تثورعلى تحول المشهد عنها " ثم إنك ابكيتني" ... مرآة تبكي ! .. ممثلة!! ... تبكي بلا عيون أم انها تعتمد على الضوء الذي سيعبث من جديد على سطحها ويخدع الناظر ويوهمه انها تبكي .. إذن المرآة هنا ليست ساذجة كما في المقطع الأول إنها جزء من الجريمة في هذا التحالف الشرير بينها وبين الضوء
ثم تاخذ تلوم صاحب المشهد وتفتري عليه أنه هو من أبكاها وتلومه على ظهوره الطبيعي في الصورة .. هنا الجريمة من نوع آخر ليست مجرد عبث بالضوء وإنما العبث بمكونات الصورة ؛ التركيز على الخلفيات المنهارة الخربة ليظهر إن ظهر فيها كالمشردين الذين يتسولون من الأمم المتحدة أمنا زائفا ولقيمات مغموسة في التراب تلقي بها إليهم .. والشهداء متساقطون ليسوا أشخاص ولكن أرقام تذاع في شريط على مرآة التلفاز!
الثلاثة مقاطع غاية في الربط وكل منهم يسلم إلى الآخر في انسجام طبيعي غير متكلف .. ثلاث مرايا تتصارع كل منهم يريد إظهار الصورة التي تريد بالشكل الذي تريد والفريسة في النهاية .. الحقيقة المجني عليها
نص بديع أستاذي .. شجي حد الصراخ .. صراخ بلا صوت .. كما قلت أفواه مفتوحة لا تنطق! .. يذكرني نصكم بكاتبي الأثير ( جمال الغيطاني ) في أوراق شاب عاش منذ ألف عام .. بلا مجاملة!
حفظ الله أوطاننا وأمننا في بلادنا
وسلّم الله أهل سوريا الحبيبة من كل شر وفكّ كربها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق