الجمعة، 9 ديسمبر 2011

قراءتي على نص ( الكيد ) للشاعر منتظر السوّادي





قراءتي على قصة ( الكيد) لكاتبها : أ/ منتظر السوادي


الكيد
 غازلها صباح الأحد .. تزلزلتْ أعماقها , شيدت ناطحاتِ الأَملِ , على مويجاتٍ متحركة , جاءها ليلاً .. شرعت له أبوابَ كنوزها , بيسرٍ تناول إرثَ الأجداد قائلاً : أغربي ... فأنا لا أُحبُّ الخؤون


 ( منتظر السوّادي )


 

( الكيد ):

هذه القصة القصيرة جدا لا يتعامل معها بتقطيعها إلى أجزاء ومقاطع ذلك لأن أجزاءها متداخلة بشدة في صورة فعل ورد فعل ولذا يتعامل معها ككتلة واحدة.

هذه القصة ما هي إلا تناوب وسجال بين (هو) و(هي)
ذلك التداخل بين ال (هو)و ال(هي) في التأثيرات النفسية غير المبتورة يعكس مدى واقعية هذا الأمر فما هي إلا أفعال ومردودها النفساني فتتولد ردود الأفعال والتي على أساسها يتحدد كيف تترجم وكيف تفهم

المبنى : بأدوار( هو وهي ) :

هو: ( غازلها صباح الأحد ........ جاءها ليلا .. )
هي: ( تزلزلت أعماقها .. شيدت ناطحات الأمل .. على مويجات متحركة ...... شرعت له ابواب كنوزها )
الالتقاء بين هو وهي : ( بيسر تناول إرث الأجداد قائلا : "أغربي .. فانا لا أحب الخؤون" )

التفصيل:

(غازلها صباح الأحد)
هو من بدأ فغازلها صباح الأحد ....وهو أول يوم في العمل في الأسبوع
وفي صباحه يكون الرجل منشغلا فهذه المغازلة لم تكن حقيقية جدية بل كانت ضربا من تناول الفطور أو شرب الشاي في الصباح ...فكانت هي ضمن وجبته الصباحية!!


ثم بالانتقال للطرف الثاني يتضح عدم وجود التواصل بينهما.. فلم يكن هناك حب حقيقي وإنما كما يصور الكاتب في القصة كل في واديه يبني أفكاره ويؤول أفعال الآخر على أساسها

(تزلزلت أعماقها ..
شيدت ناطحات الأمل ..
على مويجات متحركة..)

هذه المرأة كالبحر له عمق وماء .. عمق ( يتزلزل) وماء ( تولدت منه مويجات متحركة)
إنها أعماق ضعيفة متزلزلة ترتج بقوة تتأثر بما حولها لاتحمل ثقلا عليها إلا ماء متحركا ... فكيف وإن كان العمق المهتز هو قعر البحر ذى المويجات متحركة صغيرة

ملحوظة : مويجات صغيرة
كنت أفضل لو كانت (موجات) بدلا من مويجات لتتوافق مع الأعماق المتزلزلة فتكون موجات قوية متحركة مائية لا يستقيم عليها شئ ولا تقلّ شيئا فيوحي ذلك أكثر بعدم الاستقرار .. (التصغير قد يستخدمه الكاتب لإظهار ضعف الموجات وصغرها وحقارتها ولكن بالنظر إلى صورة البحر كلية يجب الأخذ في الإعتبار العلاقة بين العمق المتزلزل المترجرج وما ينجم عنه من موجات وليس مويجات )

...وعلى هذه الموجات قامت بتشييد ..

( ناطحات الأمل )
إن البناء يحتاج إلى أرض مستوية صلبة وأساس خرساني قوي وخوازيق وحديد لكن ما أوهنه من بناء وما أوهنه من أساس! .. إنه ماء يتحرك والأدهى أنه يتغير ويتقلب باطنه على ظاهره فكيف يصلح محلا للبناء!

أما المبنى فليس بناء صغيرا وإنما ( ناطحات أمل ) فمن شدة الأمل وانخداع المرأة في وجبة المغازلة الصباحية تلك صارت تشيد ما يخترق الهواء ويناطح السماء.. إنه امل كبير وعظيم لكنه يترنح ويتمايل بشدة على الأمواج وممكن أن يتهاوى في أي لحظة

وكانت هذه اللحظة لحظة مجيئه إليها ليلا ربما كان من أجل إدراجها في وجبة مسائية أيضا من المغازلة الكاذبة

فألفاها وقد " شرعت له أبواب كنوزها "
الكنز : هو ما يدفن ويخفيه صاحبه ويصعب الاهتداء إليه إلا بإرشاد صاحب الكنز أو بمحض الصدفة .. لكن في هذه الحالة تظهر مدى السذاجة .. فهي لم تكشف المدفون والمستتر فحسب بل وفرت عليه مشقة السؤال والبحث .. ففتحت له الأبواب وذللت له الصعاب وكأنما تقول " هيت لك " إلا ان هذه لم تغلق الأبواب كامراة العزيز وانما شرعتها ودعته إليها بكل يسر

وكانت المفاجأة الغير متوقعة لها والتي يلخصها الكاتب في (بيسر)

وهي كلمة أراها محورية في القصة .. فهي تتوافق مع مقطع استهتاره بها في أول النص وهذا دليل ترابط في المبنى
فخرجت الكلمة بدون تفكير أو إمعان نظر .. وكان بذلك يقرر مصيرها
وكانت فعلا القنبلة التي زلزلت أعماقها لكن هنا الزلزال حقيقي غير ما سبق فجعلت بحر شعورها يضطرب ويهيج بل ويأتي بتسونامي فتغرق الناطحات المشيدة

(بيسر) ---- قال – تناول
بيسر قال وما أسهل القول الذي يهد الآمال
بيسر تناول الأرث الذي تربى عليه وعهده والذي أيضا فارقه عند اللزوم ويعرف متى يعود إليه ايضا عند اللزوم

" تناول إرث الأجداد " من الأعراف والتقاليد المتفق عليها والتي تربى هوعليها وهذه هي ساعة الجدية الوحيدة له في هذا النص لما تطور الأمر للحظة اتخاذ القرار أما قبل ذلك فكان لهوا وتسلية .. وهذا حال اغلب الرجال من هذه الفصيلة الخسيسة .. فبعدما ينصب شباكه حولها وتقع فريسة يأخذ يلومها .. ولا عجب أنها تستحق اللوم فهي أيضا من نفس نوعية ذاك الرجل الذي رضي لنفسه الانحطاط والوضاعة

( اغربي .. فأنا لا أحب الخؤون )

خائنة لإرث الأجداد الذي تناوله بسهولة .. وخائنة بوجه عام إذ أنها كما تهيئ له السبل فمن الممكن ان تهيئها لغيره فهذا توقع الخيانة منها في المستقبل

النهاية مفتوحة لأي توقع .. فكيف سيكون رد فعل تلك المرأة بعدما انهارت احلامها ؟ .. ان القصة كما أسلفت تركز على الفعل ورد الفعل اما هنا في النهاية فقد أقفلت القصة على فعل وترك رد الفعل للقارئ ليتخيله هو .. وهذا أراه نقطة تحسب للكاتب

العنوان ( الكيد)

 
إرادة الايذاء بالغير في خفاء وهذه هي الفكرة المجردة التي تدور حولها القصة لذا فأنا أرى أن العنوان يفضح النص ويلخص الموضوع الموجود به ويجعل القارئ متوقعا بأن ثمة إيذاء وكيد في الطريق فيعرف القارئ سلفا ما سيقرأ كان ممكنا أن يكون العنوان أكثرعمقا من ذلك أو يحوي رمزية قليلة لفكرة الكيد تجعل القارئ في شغف لربط العلاقة بين العنوان والقصة نفسها

وفي ضوء الأحداث الراهنة يمكن عمل إسقاط للنص :
في رمزية أراها في النص

لعبة الدول:

فمن الممكن في أرض الواقع أن تقوم دولة طاغية السلطان بعمل مغازلة لإحدى الدول الضعيفة وتمنيها بالأماني الواهنة الكاذبة من أجل مقابل ما طبعا .. ولما كانت هذه الأمة ضعيفة مسلوبة الإرادة صدّقت وأخذت تسرف في بناء الأحلام بالديمقراطية والعدالة والحرية .. أحلام بنيت على موجات متحركة مقلقلة ، فبعدما استسلمت تلك الأمة المهزومة وأظهرت كنوزها وأخذت الطاغية منها ما تحتاج ، وبيسر (تناولت) إرث أجداد تلك الأمة الضعيفة لأنها هي التي مهدت لها ذلك – ويظهر هنا اختلاف تأويل معنى ( تناولت ) قليلا عن المعنى الأول الخاص بالمغازلة - فضيعت تلك الأمة الضعيفة كرامتها وحضارتها ... ثم هذه الدولة العاتية قالت ( اغربي ) فقد أخذت منها ما تريد وأكثر ولن تعطيها شيئا .. ( فأنا لا أحب الخؤون) وهذا لا يقال حقيقة أو علانية وإنما يظهر في طيات المعاملات الدولية .. فتكون الأمة الضعيفة أمة لا تحترم ولا يعمل لها حساب لأنها ( خؤون) قد فرطت في نفسها فاستحقت الاحتقار ولا شيئا سواه


اخيرا أرى أن النص مفتوح لعدة تأويلات واسقاطات مختلفة لكن قد يتغير معنى الكلمات ومواضعها وهذا في رأيي المتواضع إبداع من الكاتب الذي صاغ الكلمات والعبارات على قصرها بشكل يسمح بالتأويلات العدة

القصة محكمة مترابطة بشدة كل عبارة فيها -ولا أقول مقطع- يرد على غيره


فلك كل الشكر والامتنان أ منتظر .. دمت مبدعاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق