الخميس، 29 سبتمبر 2011

دجلة الزهر

دجلة الزهر
  
بزهوٍ تَرْفُلُ في فستانِها الهَفْهَافِ

بدلالٍ تَنثرُ بتلاتِ أزهارِها عليه

ينتَشِي لأريجِها فيُهدهِدها على راحتيه

تَكاثفَ الغيمُ

المطرُ يَهمي

تهدّلتِ البتلاتُ وغاصتْ في أعماقِه

وجلستْ على حافتِه تبكي زَهْرَاتِها

ذابتْ في دموعِها ورَاحَتْ تجري إلى جَانِبه

وعند  شطِ العربِ

الحبَّ والأملَ يزرعان !


أسئلتك

أسئلتك




تُتُعِبُنِي أَسئلتُك!
يَخنُقُنِي فُضُولُك!
كَما يَخْنُقُني عِطرُك
مئزرُ رُوحِكِ ما عَادَ يَسَعُنِي
خَاتَمُك الفولاذيُ يَحبسُ الدمَ في إصبِعِي
عيناك العسليتان ..
شفتاك البللوريتان ..
جيدُك اللجينيُ
ما هي إلا .. ألوانٌ !!

في فيروزتيك !

في فيروزتيك !!



تَشْتَبِكُ ..وأُفَرِّقُهَا بأنامِلي


خُصْلاتُ شَعْرِكَ!!

أُريدُ ان أَهِيمَ فِي فَيرُوزتيكَ!

بَحرانِ يأخُذاني بِلا شُطآنٍ

زَورَقِي قديمٌ مُسْتَهامٌ

تُرَاقِصُهُ الأمواجُ ..فيَلّفُ وأضْحكُ

لكنّ .. الأمواجَ تَتَحَامقُ!

راحَتْ تَلطِمُني

كُفِّي.. قد تَمَاديتِ!!

أين كفُكَ الذي وَعَدتَ به ؟!

قد أخلفْتَ وَعْدَكَ

لماذا ؟...لماذا ؟



خلف الستار

خلف الستار



.... النهاية

أغْلقتِ الكتابَ

خلعتْ نظارتَها

وراحتْ تُرتبُ غُرتَها الفضيةَ

سقطتْ خصلةٌ في يدها...تنظرُ إليها وتضحكُ

لاحَ لها على الستارِ

وجهٌ يتماوجُ !

قفزتْ على قدميها .. وبخطواتٍ ثابتةٍ تسير

تمسكُ الستارَ .. فيتلاشى الوجهُ!

تألّقَ من خلفِ الستارِ صوتٌ لطالما اشْتاقتْ إليه

أزاحَتْه .. وفي السَّماءِ كانَ الوجهُ مبتوراً عن الجسدِ

يدعُوها في تَحْنانٍ :" تعالي .. تعالي ..!"




وسادتي

وسادتي 




الأبوابُ تغلقُ دوني ... حجرتي مظلمةٌ

أضُمُ وسادتي

تَضلُّ عيناي صفحتَها البيضاءَ وسطَ العَتمةِ

تحَسستُ شمعةً إلى جواري أريدُ إشعالَها

ولما التقطتُ وسادتي ....

إذا بها قد تَحجَّرتْ .. آلمتْ حَوَافُّها يدِي

سَقطتْ مني

أهْوَيتُ ألملمُ فُتَاتها

فَتَمَزقتْ بين أشلائِها رُوحي !!

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

عيد ميلاد - قصة قصيرة

عيد ميلاد



-- " ألن ترتدي حلتك الجديدة ؟"

-- " إنها حمراء يا أمي ... أرتدي حلة حمراء وأنا في الثلاثين! "

-- " ولم لا ؟! .. فهذا عيد ميلادك ، ستبدو وسيماً فيها ... سترى !"

متردداً تناولها من يديها ، وبيدين مرتعشتين خلع ملابسه ووضع الحلة الجديدة عليه

حمراء .. جديدة  ... يشعُ منها وهجٌ يحس له انعكاساً على وجهه .. في عينيه ...حتى تألمتا من شدة حمرتها ، فراحتا تذرفان دمعا علّه يطفئ لهيباً أحمرَ اتقد بهما ... فازدادت مآقيه حمرةً والتهاباً !


الحجرة خاوية ، لا يوجد بها أثاث عدا كرسي معدني ... بقدمين

متثاقلتين راح نحو الجدار واستند إليه يريد فيه الذوبان . أطرافه
باردة كالثلج لم يفلح معها وهج حلته ،  وقلبه مضطرب لم تدفئه حرارة لونها الأحمر .. فأراد ان يقفز من صدره ليعانق دفء الحائط ،فاصطدم به ... إنه حجر ، لن يرأف به ... لن يقبل عناقه .. لن يرضى له الذوبان فيه ، أهي لعنة الحجر أم قانونه ؟!


وأطفئ النور ،  وازدادت الحجرة ظلمة وصارت تعج بخيالات مبهمة تتراقص حوله وترسم أشكالاً خليطها سوادُ الظلمة وحمرةُ الحلّة

وسريعاً أنيرت الغرفة بنور ثلاثين شمعة تتوسط كعكة كرز .. حمراء على الكرسي

ولكن ..

-- " أين الحضور يا أمي ؟! ... لم يأت إلا أنت فقط ! "

ضمته إلى صدرها وهمست بصوتٍ حانٍ في أذنه " لا تقلق ،
سيحضرون .. حتماً سيحضرون !"

خطواتٌ مسرعةٌ ...  يُطرَق البابُ  ..... وتدخل امرأةٌ شابةٌ تحمل
رضيعاً  

-- " من هذه ؟ .. تشبه أمي وهي شابة ! .. لكن لا ، هذه عابسة !"

اقتربت منه مسرعة " انظر إلى طفلي ! .. يشبهك في
صغرك !" .. ثم اطفأت الشمعة الأولى وتلاشت يسابقها ظلها


يُطرَق الباب  ... امرأةٌ أخرى تلاعبُ طفلاً ، تقذفه عالياً ثم يعود
إلى أحضانها ، والصبي يضحك وهي لا تبتسم  " تشبه سابقتها .. لعلها أختها " .

 ثم تطفئ شمعة أخرى وتجلس إلى جواره .. " إنها ترمقني !!"


يُطرَق الباب ... تدخل امرأةٌ  .." تشبه التي إلى جواري .. تحتضني بقوة !"

-- " كل عام وأنت بخير "

ثم تأخذ شمعة وتجلس إلى جوار المرأة  .. يكبر ظلها على الحائط ، جسم أسود طويل يرتعش يمنة ويسرة  ذو شعر منفوش  " إنه
ينظر إلىّ بعينين سوداوين .. يريد الانقضاض علي !" .. ثم
اطفأت الشمعة


كل دقيقة ...

يُطرَق الباب  .. امرأة تدخل ... شمعة تطفأ .. لم يتبق الكثير

--" كلهن يشبهن أمي ! ... كيف ولم اجتمعن ؟! ...نعم هذه تشبه أمي كثيرا .. لم تبكي ؟؟ .. وهذا .. هذا يشبهني تماما .. لكنه ليس أنا "

انطلقت نحوه تمسح وجهه بدموعها

--" كل عام وأنت بخير " .. وتطفئ شمعة أخرى

امتلأت الغرفة بالنساء ... متشابهات نفس الصوت والصورة مع فروق العمر ، وحولهن يتماوج دخان فتيل الشمع المحترق ورائحة الشمع المذاب تعلو الهواء والنساء حوله يأكلن الهواء بأنوفهن وأفواههن


يُطرَق الباب   .. " هذه أمي ! "

 تأخذ الشمعة الأخيرة  وتبتسم " كل عام وأنت بخير "

وعلى ضوء منبثق من الشمعة التفت باقي النسوة حولها .. ينعكس الضوء على وجه الأم من أسفل فيعلو السواد جفونها المسدلة  وشعرها ، وتختفي باقي النسوة في أوشحة الظلام فلا يستبان سوى كتائب متراصة ذات شعور ثائرة تتحرك خلسة في العتمة .. يخرج من باطنهم بين همهمة ونشيج " كل عام وأنت بخير " في أغنية حالكة بلا قيثارة

دفعت إليه أمه الشمعة .. " هيا حبيبي .. انفخها وتمن أمنية !"

-- " لن أفعل "

-- " هيا .. نريد تقطيع الكعكة ليأكل الحضور !"

صهده ليبها ، فخانته زفرة مرتعبة قوية فانطفأت على إثرها الشمعة الثلاثون

--" أريد ألا أراكن .. أريد أن أنام !"

ضمته إلى صدرها :

"  حسنا يا حبيبي ..كان يا ما كان ... ولد شقي تبكي عليه أمه دما بدل الدموع .. جاءه الشيخ يعظه فما انتهي .. فجاءه رجل كبير ذو شارب عظيم ومعه كيس أسود فألبسه إياه في رأسه ... وقال له " لن ترى أمك ثانية !" ... وأخذه إلى حجرة مظلمة ولفّ حول عنقه حبلا وعلقه في السقف ...

(خلصت الحدوتة) !!!"





تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا الصادر من محكمة جنايات  ( ... ) على المدعو ( ... ) في تاريخ ( .. )

الخميس، 15 سبتمبر 2011

بحيرة البجع - قصة قصيرة





بُحَيرة البجع 

تصافحوا .. تعانقوا وتضاحكوا .. ووعدوه بتكرار الزيارة بعد يومين وانحنى أحدهم عليه يهمس في أذنه  " ... ابحث عنها !!"
أطرق قليلا وفتر ثغره عن ضحكة مستحية ووعد بالتفكير في الموضوع بجدية هذه المرة.


وافترق عنه الجمع في صخب كبير يلوحون بقَنان العصير تسافر وراءهم أصداؤهم يضج بها الهواء فيبترها ويبعثرها في الأرجاء ، هبت نسمات عليلة حاملة نشوة إلى صدره مع ضوعة طيوب ليلكي .. إنها ليلة مقمرة لا تأتي في الشهر إلا مرة واحدة .. لن يرى الحديقة في حليها اللماع هذا إلا مرة واحدة فليتحامل على نفسه إذن وليقاوم دبيب نعاس طفق يغشى جفنيه وليمزجه بذاك المنظر اللجيني الأفيح.


لكنّ العبير يتبدد خلف الأزهار بين مويجات الهواء المتلاحقة .. لم شعاع القمر النقي بانسكاب  صار يهرق في كل اتجاه .. شئ ما يمر .. شئ ما يحلق!!

رفع رأسه إلى السماء تدور عيناه فيها تقلب قطعها السوداء ونجيماتها المتلألئة كل شئ كما هو ، لكن القمر يروح ويجئ إنها أطيار ترفرف تحجب القمروضوءه بأجنحتها الكبيرة .. يخدعه ضوء القمر يستثير عطفه باقتدار فيهيأ له أنها الغربان العملاقة قد غمرت هذا الجزء من البسيطة في ليلته الموعودة المأذون لها بالانعتاق بعد طول الغياب !

انتشت في نفسه رغبة الثأر لذلك القمر الذي تعكر لُجّه  اللؤلؤي ... ثم وضع أنامله  على ثغره كمن لاحت له فكرة شيطانية يخشى من لسانه بها بوحا .. أن يذهب لإحضار قوسه وليقم ببعض الصيد فلا ضير من تلويث سهامه بالقليل من الدماء وسيعطي الطير المطعون حتما للكلاب الضالة لتأكله أو يرميه في النهر الكبير كي تتغذى عليه الأسماك !

أسرع نحو القصر ليجلب القوس ... لكن سيفوته سرب الأطيار قبل الوصول إلى منتصف بهوه حتى! .. رجع أدراجه مسرعا نحو شرفته التي تسفلها شجرة السنديان ..أمسك بأغصانها وفروعها وراح يتسلقها مسرعا يتوجس من زلة قدمه أو انفلاتة قبضته ... حتى تمكن من الوصول إلى الشرفة .." أين القوس .. القوس ؟ ... هاهو!!"


 عاد أدراجه تارة ينظر إلى الفروع وأخرى يرمق السرب من بعيد .. أخذ يقفز تتقافز معه حبات السنديان تملأ الأرض تغطي العشب يدوسها ويعدو ويتعثر يحمل قوسه ويعدو ...رأسه إلى السماء تتعلق عيناه بسرب الأطيار .." ترى أين وجهته ؟!" ..

 إنه يبتعد عن حدود الحديقة .. عن حدود القصر يتجه نحو مكان ضبابي تعلوه الزرقة والبياض...


مصوبا قوسه إلى الأمام .. تتحسس قدماه العشب داكن الخضار .. يدوسه فيداهم حسيسه أذنيه  يضطرب فيرمقه  بومضة ثم يرفقها بواحدة نحو ذلك المكان الغابي

غابة ضبابية يسربلها إزار قمري مفضض يتوسطها صفصافة عملاقة قد نمت أغصانها وغطتها أوراقها حتى بدت كامرأة فارعة ضخمة البنية يخر شعرها من مفرق رأسها يغطي وجهها وجسمها ملامسا الأرض يحركه هبوب الريح بثقل شديد .. فيتحرك بكبرياء شجي كانما يبكي شعرها وتبكي هي من رأسها !.. فطرف شعرها مغيب في بحيرة شفيفة كما من سفاح دموعها .. بحيرة داكنة قد ترقرق على صفحتها إبريق لجيني يتراقص على مويجات الماء ويتماوج دون أن يفارق بقعته ..

... ترجرج وغاب الإبريق في الماء إثر ارتطام أرجل الأطيار بها ... واقفا يرتقب خلف احدى الشجيرات .." ليسوا غربان .. إنما .. بجع!"


تراصت أسراب البجع حول البحيرة اخذت في  رفيف فضي تتثنى وتنفرد حتى استوت معتدلة .. تتفتح منها أجساد أنثوية ممشوقة تماوج بأذرعها تختال كعرائس ثلجية تلفهن سلاسل القمر حتى بدت اجسادا نورانية غضة يحيط خصورهن تنانير بيضاء براقة تتهادى طياتها كلما خطرن على أطراف أصابعهن حتى التففن حول بعضهن ووقفن حول البحيرة قد شرعن أذرعهن إلى أعلى وشبكنها وملن بجذوعهن إلى الأمام نحو البحيرة ..


منبهر .. مضطرب .. لا يدري ، لكن كمن مسه جني أخذ يجره من رقبته قد سحر بأصواتهن المنبهمة تعزف ترنيمة " كلارينيت " بجعي فتسحبه نحو البحيرة .. يقترب منهن وهن لا يتحركن كانهن تماثيل الشمع اللماعة .. ولما اقترب أكثر وجدهن مجتمعات حول عروس أخرى متلملمة على نفسها منثنية تمسك قدميها بكفيها
أحست بدنوه منها فارتعدت فرائصها واستوت قائمة مسرعة ترتجف ذراعاها وتتماوج كما لو كانت ترفرف بجناحيها .. تقف على أطراف أصابعها ترتعش ساقاها من الخوف تزيغ عيناها وتشير إلى قوسه الذي بيده .. إنتبه اليه فقد كان نسيه تماما
-- " اعتذر منك .. سألقيه بعيدا !"


بتوجس دنا منها ولحظ تاجا على رأسها ادرك أنها أميرة هؤلاء العرائس فانحنى إليها
-- " من أنت ؟ ... وكيف أنتن هكذا ؟!"
وضعت أصابعها على ثغرها واخذت تهز رأسها ثم صاحت بصوت عالي الإرنان
-- " ماذا ؟! .. لا تتكلمين! .. أنتِ مسحورة ؟!"
فأومأت برأسها بالإيجاب


قبض على يديها الباردتين ..اخرجها من البحيرة وأخذ يفرك يديها ليدفئها
-- " خسارة ! ... كم أنتِ جميلة .. ولا تتكلمين !"
كدمية ممسكة بيده راحت تقفز على أطراف أصابعها تلوح بذراعها وتبتسم إليه فرحة تشير إلى قلبه ثم إلى القمر

 قطف بعض الزهور الليلكية وشبكهم في تاجها وراح يتحسس الريش الأبيض النابت وسط خصلات شعرها الأحمر ثم جيدها الأبيض الناعم وفستانها المخملي ذا التنورة الهفهافة وعينيها التي أحاط بهما سواد فاحم فبدتا فيروزتين تسبحان في سرداب عميق
-- " من فعل بك هذا؟!"

تحدر قمران من مقلتيها في عبرتين تبللان خديها الاسيلين وثغرها الرقيق الرسم فتغيب في شق شفتيها فبادرهما بانامله يجففهما  " لا تبكي .. سأكون معك ولن أترككِ!"


زادت عبراتها وطوقت رقبته بذراعيها وراحت تبكي ضمها إلى صدره ودار بها وحملها من خصرها تتطاير تنورتها البيضاء ناشرة عبق طيبها وأريج ليلكي وهي تماوج بذراعيها...


تحركت العرائس فجاة قد أخذتهن رعشة عارمة ، تسارعن في الوثب حولهما حتى احطن بهما ورحن يصحن ويُشرن إلى القمر الذي قد احتجب تماما ..حجبه كائن نصف انسان ونصف طائر بجناحيه ضخمان أسودان ..وسريعا انقض ذلك الكائن المريع بجناحيه وسط العرائس يفرقهن فيتلملمن على بعضهن في صفوف يماوجن بأذرعهن من شدة الخوف وترتعش سوقهن !


بينما الأمير قد حمل عروسه ليبتعد عن ذلك الطائر الكبير لكنه أخذ يتعقبهما ويسد عليهما المسالك فينشر عليهما جناحيه وينفث فيهما الريش الأسود .. لمح الأمير طلاسم وتعاويذ منقوشة على طرف جناحيه بالذهب .. " هذا هو ! .. الساحر !"

أخذ الأمير يبحث عن قوسه الذي رماه بعيدا .. وراح يصوب نحو الطائر بلا جدوى؛ إنه يطير عاليا جدا نحو القمر ثم يحط فجأة .. يغشاه بجناحيه وينفث عليه من ريشه ثم يعاود الطيران مجددا .. ألقى الأمير القوس من يده وانتهز فرصة دنو الطائر منه ثم قفز عليه وطرحه أرضا واخذ يلكمه ..ركله الطائر حتى سقط على حافة البحيرة والتقط حجرة كبيرة وقفز على الأمير .. أخرج الامير خنجره بسرعة وغرسه في صدر الطائر فانفجرت من صدره الدماء لكنه كان قوي الجسم فجمع نفسه وضرب الأمير بالحجارة على رأسه فشجها وسقطا في البحيرة ..وماهت البحيرة بالدماء  ...
 صرخت العرائس البيضاء وخرجن في صفوف من وراء الصفصافة وجثون على الأرض قد تكومن على انفسهن ..

بينما راحت العروس الأميرة ترتعش اوصالها وتتهدهد تنورتها الشفيفة وراح خصرها يتثنى كما لو كان يتهاوى على التنورة فتحمله التنورة وتعيده إلى مكانه فيتهاوى عليها من جديد! .. بينما انثنى جيدها كما المقصوف يحمل رأسا مترنحة فتحاول نصبها بكفيها، حتى اقتربت من البحيرة الدامية ووقفت على رجل واحدة ومدت الثانية نحوها فاخضب حذائها البللوري باللون الأحمر .. أغمضت عينيها وأخفت وجهها في كفيها وقفزت في البحيرة ..فتناثرت المياه الحمراء على الزهور الليلكية حولها وصارت تقطر دما يهمي على العشب الأسود ..!!


ثم .....
.....


قامت واقفة معتمدة على إحدى رجليها بينما تلف الثانية وراءها وانحنت في بهاء حتى لامس جبينها ركبتها ..

وانهالت عليها بتلات الأزهار الوردية فغمرتها .. وخشبة المسرح

وارتج ( دار الأوبرا ) على زخات التصفيق الحاد وهتافات الإعجاب .. ووقف البطل إلى جانبها يحيي الجمهور تارة والراقصة تارة أخرى ويصفق لها ..

..وأصفق أنا لها أيضا ووقفت على اطراف أصابعي الصغيرة أقلدها في انحناءة ( بافلوفا ) الشهيرة تلامس جبهتي تنورتي البيضاء التي لبستها وقت مشاهدتي العرض وأخذت أصيح وسط الهتافات .. " سأكون بجعة مثلك يوما ما!!" ..

لكنني لما كبرت لم أتجاوز كوني بجعة نحاسية في صندوق خواتمي الأسود !!



الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

طلقة - قصة قصيرة

طلقة





طلقة ..

وماءٌ يسيلُ  .. من بين رجليها يبللُ المقعد ، في الأرضية بركةٌ تغمرُ قدميها ..

..

طلقة ..

ودماءٌ تنفجرُ .. بقعةٌ بنفسجيةٌ تعلو فستانها الأزرقَ ، لا تفرقُ كثيرًا عن لون شفتيها ..


  ....


لم يرعبني منظرُها هكذا .. فقد تلقيتُ الصدمةَ كاملة أول ما أبصرتُها ! ، بالكاد أتفرَّسُها تحت وميض البرق .. هزيلةٌ تشدُّ شعرها الطويل المتهدِّل المبتل، لا تفترُ عن طرقِ المقعد الخشبي بكفيها .. رأسُها إلى السماء ، يُرجّع صراخها صدىً يلاحقُ الرعد .. مَنْ هذه المجنونة التي تخرجُ في مثلِ هذه الساعة من تلك الليلةِ العاصفةِ ؟! .. تنتظرُ الحافلة؟ .. وحدها ؟! .. أين زوجُها أو أحدُ ذكور عائلتها ؟! ..




أتلفَّتُ حولي عساني أجد لها نجدةً ، لم يكنْ غيري .. نزلتُ من سيارتي ، أسندتُّها إلى كتفي وهي تسندُ أسفلَ بطنها المتكورِ المنتفخِ بيدها ، جسمُها الباردُ ينتفضُ بين ذراعيّ .. "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..

صراخُها يوتّرُني .. أنسَاني العناوينَ والأماكن!، كلُّ المباني متشابهةٌ .. ضخمةٌ غارقةٌ في صمتٍ عجيبٍ ، يجعلها أكثرَ وحشةً من ظلِّ خلفيةٍ للوحةِ أطلالٍ مقبورة ، تستثيرُ هلعي باقتدار! .. في تلك المدينة الغريبة التي هجرها سكانها هذه الليلة فقط ، لا تتحركُ سوى سيارتي الهوجاء تدورُ في متاهةٍ ، تتعملقُ الدقائقُ ، تضغطُ أعصابي .. تنحتُها بأزميلٍ .. تتساقطُ فتاتاً بسيارتي أدهُسُه ، بينما أنا مشلولٌ على المقود!


..


تتشبثُ بذراعي وتمرِّغُ وجهَها في كتفي ، تسمِّرني في مُدن فزعي التي أجتازُها بمركبتي .. أردتُ قطعَ ذلك الصراخ الجنوني بنزر حديثٍ عاقلٍ .. " من أنتِ؟ .. كيف أتصل بأهلك ؟ " .. فجأة تبتعدُ عني .. تتكئُ على النافذة وتنخرطُ في البكاء .. أنظرُها في ضوءِ السماء الكهربائي الخاطف .. مليحةٌ ملامحُها .. أجل! .. تبدو يافعةً رغم شحوبها وزُرقة شفتيها .. وقطرات المطر على الزُّجاج التي تخطّ وجهها دموعاً قاتمةً مبعثرةً ..


أحاولُ لَملمةَ شتاتها .. " لمَ تبكين ؟ "

تمسكُ بأسفل بطنها ترفعُه وتضمُ فخذيها بارتعادٍ .. " لا أريدُ أن ألد !  .. ليتني أحبسُه في ( عُنقي )، تنحشر رأسُه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمعَ صُراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتمَ جلده الورديّ ، عندما للدنيا أُطلقُه ! "


....


طلقة .. طلقة ..

يسيلُ الماء .. تنفجرُ الدماء ..

بركةٌ في أرضية السيارة .. وبقعةٌ على الفستان ..


وأزرارُ الفُستان على عجلٍ تفكُّها .. قد استعرَ جسدُها .. تَرْشحُ من الثنايا .. تجتاحها الرّجفات ، يعلو الصُّراخ وتمسكُ ببطنها .." لا .. لا تنزلْ !!"



- "سننزلُ ! .. هيا ، ها هو المشفى !"

تأبَى .. أجذبُها بكلتا يديّ .. تتشبثُ بالمقعد وتصيحُ في وجهي .." دعني أموتُ هنا ! " .. أحاولُ إخراجها من السيارة وهي تسحبُ نفسَها إلى الداخل .. تجلسُ مستعرضةً لتنحشرَ في الباب .

...


كم هي عسيرةٌ إزاحتكِ ! ..

مؤلمٌ خمشكِ إياي !


أ تُراهم يُسرعون نحوي يخلصُونني من مخالبها المستحكمة ؟! .. يشدُّونها من ذراعيها ورجليها ليجلسُوها على كرسيٍ مدولبٍ .. يمرقون بها وسطَ سيولِ الأمطار .. العجلاتُ تنزلقُ بين طينٍ وماءٍ .. وقطراتِ دماء .. يُشظِّيني أزيزُها تحت دورانها المرتجف ..


....


-- " أسرعوا !!"

كطلقةٍ تدوّي في بهو المشفى .. على إثرها هرعَ أصحابُ المعاطف البيضاء بالنقالة 
، والمرأةُ تلقي بنفسها على الأرض ، تُلوثها ببقاياها .. تتلوّى .. لا يزالُ فيها رمقُ المقاومة ! .. تحاولُ الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرمٍ رهنَ الاعتقال .. يتكالبُون عليها .. على الذبيحة ! .. كلٌّ منهم يتناولُ طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبُها أن تفتحَ رجليها ..!


وددتُ لو استدرت وخرجت من الباب مسرعاً.. وددتُ لو أواري وجهي بين كفي .. لكنني كنتُ أرتعدُ كلّما علا بكاؤها .. تنظرُ إليّ من بعيدٍ معاتبةً إياي .. أنا من أحضرتُها إلى هنا ، كم رجوتُ لو أرفعهم جميعاً عنها .. أن ألكمَهم خاصةً ذلك الذي يضربُها على فخذها .. لكن ..



-- "ها هو الرأسُ ..! .. هيا .. ادفعي لأسفلَ قليلاً ! .. تنفّسي !  "

يدُه تخرجُ من تحتها ترسمُ كفّاً من الدماء على الملاءة البيضاء .. يولّدُها .. يغتالُها .. وأنا منكمشٌ في زاوية الباب .. يرميني بين حينٍ وآخر بابتسامةٍ مواربة ٍ، أنّه قد شرُفَ على الانتهاءِ منها .. وسيسمحُ لي بالاقتراب .. لمّا يحين دَوري ! .. أنينُها يحتقنُ .. ينحبسُ في حلقي ريقاً علقماً ! .. تتصلّبُ صورتها في محجريّ، وقد بدأت نظراتُها تذوي شيئاً فشيئاً ..




وتعودُ طلقةٌ جديدةٌ بالقفز إلى هذا الجسدِ المتفسّخ تنطُرُه ، ليطلقَ صُراخاً من جميعِ الجوانب ، فيجتمع صوتُهما في صدري يضجُّ منهما بالبكاء .. يلفّون قطعةَ لحمٍ حمراءَ في منشفةٍ كبيرةٍ يأخذونها بعيداً.. تزعقُ على أمّها .. أمّها التي غابت عيناها في ضوءِ الكشّاف المسلط عليها .. حتى .. ألقيت الملاءةُ على وجهها بلا اكتراثٍ ..

أخذني الخدرُ .. قرفصتُ في الأرض ، لم تعد رجلاي تحملاني .. لم تعُد عيناي تبصران ، قد تزاحمت الصورُ والألوان .. وماهت بين خطواتِ الأقدام السريعة حولي هنا وهناك ، وتلك اللفافة التي دُفعت إليّ دفعاً لأخرجَ من البابِ مذهولاً مما رأيتُ  ..




في الخارج .. مطرٌ ..


وصراخٌ منبعثٌ من تلك اللفافة أستفيقُ عليه وأنا تحت زخاتٍ من المطر .. أدثّرُ ذلك الوليد الذي فتحَ فاه وأداره نحو صدري ، فلا يجدُ سوى ثيابي المبتلة .. راح يلكزُني بقدميه الصغيرتين .. أين أذهبُ به ؟.. أجسّ أطرافَه .. بدأت تبردُ .. تتيبسُ .. تتمعدنُ .. أسحُّ فوقه .. عبراتي تقرعُه .. سوادٌ ثقيلٌ بلا هواء يتوسدني ، فتغمغم الأصواتُ من حولي ، لم أعد أعي ما أسمعُ سوى نشيجي المتقطع ..

أقلّبُه من جميع الجوانب .. والآن أراه بعد أن انقشعَت الغياماتُ عن عينيّ .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أتعجّلُ مِنْ فِيه طلقةً تُخرجني من عالمي ..


فينتظرني أن أضغطَ على زناده لينفجرَ في وجهي ! .. كانفراجةِ " أنت ابن حـــرااا.. م ! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدُني في كل مرةٍ إلى حكايتي ذاتها ..

...


والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..

تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ!



___________________________



دينا نبيل